خارج المسبح: ما الذي يمنع المهاجرين حقًا من تعلم السباحة؟
.المهاجرون غالبًا ما يمتلكون مهارات سباحة أقل من عامة السكان في فنلندا، بحسب الاتحاد الفنلندي للسباحة والإنقاذ – الصورة من مكتبة أدوبي الرقمية
حسن مرسي
تم النشر ۱٤.۱۰.۲۰۲۵ at ۳:۳۷
اخر تحديث ۱٤.۱۰.۲۰۲۵ at ۳:٤٦
فنلندا، المعروفة بـ”بلد الألف بحيرة”، ترتبط فيها المياه بالحياة اليومية. السباحة هنا ليست مجرد رياضة، بل هي هواية محببة، ونشاط اجتماعي، وقبل كل شيء هي مهارة تنقذ الحياة. ومع ذلك، في كل صيف تذكّرنا حوادث الغرق المأساوية بأن هذه المهارة ليست متاحة للجميع بشكل عادل.
بحسب الاتحاد الفنلندي لتعليم السباحة والإنقاذ (FSL)، ارتفعت حالات الوفاة غرقًا بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. ففي يوليو 2025 وحده، غرق 28 شخصًا، وهو أعلى رقم يُسجَّل في شهر واحد منذ يوليو 2021. وبين يناير ويوليو 2025، سُجِّلت 68 حالة غرق. هذه الأرقام تُظهر أن الحاجة لجعل تعليم السباحة أكثر شمولًا وسهولة وفي متناول الجميع أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
عقبات في الطريق
رغم أن دروس السباحة موجودة في أغلب المدن الفنلندية، إلا أن فرص الوصول إليها ليست متكافئة. بعض البلديات تنظّم دورات بأسعار معقولة، لكن في كثير من الأحيان تكون الدورات متاحة فقط عبر أندية أو منظمات خاصة، بأسعار قد لا تناسب ميزانية بعض الأسر. وحتى عندما لا يكون المال عقبة، فإن قلة الأوقات المتاحة في المسابح العامة تعيق كثيرين عن الحصول على مكان.
يقول تيرو سافولاينن، الخبير في تعليم السباحة بـFSL:
“أحد التحديات الأساسية هو ببساطة الوصول إلى العائلات المهاجرة. خلال السنوات الأخيرة أحرزنا تقدمًا عبر تدريب مدرّبين من داخل هذه المجتمعات نفسها، فحين يكون المدرّب من نفس الخلفية يسهل بناء الثقة”.
ومن أبرز المبادرات في هذا المجال مشروع “بِنالا – ابقَ عائمًا” الذي يقوده الاتحاد الفنلندي للسباحة. يهدف المشروع إلى تعزيز مهارات الأطفال في السباحة على مستوى البلاد مع التركيز على الشمولية، حيث يربط العائلات متعددة الثقافات بمدارس السباحة، ويدعم تدريب مدرّبين جدد، ويضمن أن مزيدًا من الأطفال، مهما كانت لغتهم أو خلفيتهم، يحصلون على فرصة لتعلُّم هذه المهارة الأساسية.
“كنت أترجم كل كلمة”
مع ذلك، تبقى اللغة عائقًا كبيرًا. أغلب دورات السباحة تُدرَّس فقط بالفنلندية، والتعليمات أثناء الدروس غالبًا لا تُترجم. هذا يجعل من الصعب على كثير من الأهالي المهاجرين تسجيل أطفالهم أو متابعة ما يحدث، كما قد يشكّل خطرًا على السلامة إذا لم تُفهم التعليمات جيدًا.
يروي محمد حافظ، أب مصري يعيش في تامبيري، تجربته مع تسجيل ابنته في دورة بلدية للسباحة لم تكن متاحة إلا بالفنلندية:
“اضطررت أن أكون المترجم بين المدرّب وأطفالي. كانت ابنتي تقلّد الحركات دون أن تفهم التعليمات”.

لاحقًا ولتحسين التجربة، قرر حافظ الاستعانة بمدرّب خاص من مدينة أخرى، يقوم بالتدريب بالإنجليزية، لكن التكلفة كانت أعلى بكثير.
“اشتركت مع عائلة أردنية لتقاسم تكاليف المدرب الخاص، حوالي 100 يورو مقابل 70 يورو للدورة البلدية. ليس كل الأسر تستطيع تحمل ذلك”.
يرى حافظ أن توفير دورات باللغة الإنجليزية في كل مدينة لن يكون تغييرًا ضخمًا، لكنه قد يحدث فرقًا كبيرًا:
“على الأقل يجب أن يكون هناك دورة واحدة بالإنجليزية في كل مدينة، فهذا سيجعل السباحة أكثر أمانًا ويسرًا للجميع”.
كما تبرز مسألة الخصوصية كعائق آخر. كثير من العائلات تهتم بوجود أماكن خاصة للاستحمام أو غرف تبديل منفصلة بين الجنسين، وهو ما لا توفره كل المسابح.
يقول حافظ:
“كان أطفالي يشعرون بعدم الارتياح في غرف تبديل الملابس المشتركة. وفي إحدى المرات طلب منا رجل فنلندي بحدة أن ننزع ملابس السباحة بالكامل في الحمام، كان موقفًا جارحًا وبقي عالقًا في ذاكرتي”.
حلول مجتمعية
من جانبها، عملت ساري مجدجي، وهي مدرسة تربية بدنية فنلندية مسلمة، لأكثر من 15 عامًا على تنظيم دروس سباحة للنساء والأطفال المسلمين في يوفاسكولا.
تقول مجدجي:
“كمسلمين لا نستحم عراة في الأماكن العامة. لذلك كنا نتناوب على استخدام أماكن خاصة للتغيير”.

ولتجاوز هذه العقبة، استأجرت مسبحًا في مدرسة خاصة ودعت عائلات أخرى للانضمام، بحيث يتقاسم الجميع التكلفة.
“بينما كنت أعلّم أطفالي، وجدت نفسي أدرّس آخرين أيضًا”.
ومع ارتفاع حالات الغرق هذا الصيف، أصبحت مهمتها أكثر إلحاحًا:
“أضفنا فصلًا جديدًا هذا الخريف. أشعر أن من واجبي مساعدة المزيد من النساء والأطفال على تعلّم هذه المهارة الضرورية”.
حتى في حصص السباحة المدرسية، تجد مجدجي حلولًا عملية: حجز غرف استحمام خاصة للأطفال، أو ترتيب وجود أحد أفراد العائلة لمرافقتهم.
“حين يشاركك الآخرون نفس القيم، تختفي هذه المشكلات من الأساس”.