الحجاب، الأمل، والاجتهاد: قصص نساء عربيات في فنلندا

سمر أشرف أبونار
سركان ألكان
تم النشر ۲۳.۰۵.۲۰۲۵ at ۱۲:٤٦
اخر تحديث ۲۳.۰۵.۲۰۲۵ at ۱:۳۹
إن العثور على عمل في بلد جديد ليس بالأمر السهل أبداً. على الرغم من أن ما يقرب من 50 في المئة من النساء المهاجرات من دول خارج الاتحاد الأوروبي إلى فنلندا يحملن شهادات تعليم عالٍ، إلا أن نسبة العاملات منهن لم تتجاوز 40% في عام 2020، مقارنة بـ72% من النساء الفنلنديات، وفقًا لتقرير صادر عن الشبكة الأوروبية للهجرة في فنلندا عام 2022.
بالنسبة للنساء العربيات، غالبًا ما تعترض طريقهن إلى سوق العمل في فنلندا عقبات إضافية. فبعضهن يواجهن تمييزًا ثقافيًا أو دينيًا، وأخريات يشعرن بأن عليهن إثبات جدارتهن مرارًا وتكرارًا، رغم امتلاكهن لمؤهلات علمية عالية. لكن في المقابل، هناك أيضًا قصص عن الصمود والدعم والنجاح. في هذا التقرير، تشارك ثلاث نساء عربيات تجاربهن في العمل والدراسة وإعادة بناء حياتهن المهنية في فنلندا.
“اضطررت للبدء من الصفر”
ماهي داوود، صيدلانية مصرية، جاءت إلى فنلندا منذ أكثر من 13 عامًا. ورغم حصولها على شهادة جامعية، كان عليها أن تعيد بناء مسارها المهني من البداية. بدأت بتعلم اللغة الفنلندية والتحقت ببرنامج مهني لتصبح صيدلانية مساعدة.
تتذكر داود: “تقدمت بطلبات توظيف في صيدليات بشكل مستقل، لكن لم يقبلني أحد. أخبرني أحد أصحاب الصيدليات أن مظهري غريب بسبب حجابي”.
لكن بدعم من مدرستها اللغوية، استطاعت لاحقًا أن تجد صيدلية ترحب بها وتوفر لها فرصة للتدريب.
وتضيف: “اللغة كانت حاجزًا كبيرًا في البداية، خصوصًا المحادثة، لكن مع الوقت والممارسة والعمل ومشاهدة التلفاز الفنلندي والمشاركة في الأحاديث اليومية، تحسنت مهاراتي تدريجيًا”.
التوفيق بين العمل والعبادة لم يكن سهلًا دائمًا، إذ كانت تستغل فترات الاستراحة لأداء الصلاة، ما قلّل من وقت راحتها.
في البداية، شكك بعض أرباب العمل في كفاءتها. “كانوا يظنون أنني غير متعلمة، لكن تغير رأيهم بعد أن رأوا مدى اجتهادي في العمل.”
حاليًا، تسعى “داوود” لمعادلة شهادتها الجامعية من خلال الدراسة في الجامعة، رغم صعوبة الدراسة باللغة الفنلندية.
“شهادة الصيدلة من مصر لم يتم اعتمادها بشكل كامل، لذلك كان عليّ أن أعيد دراسة بعض المواد.”
تأمل داوود أن تلهم نساء مهاجرات أخريات بخطوتها وإصرارها.
وتختتم حديثها: “لا تيأسي. تعلمي الفنلندية، وافتحي آفاقًا جديدة، وثقي بنفسكِ.”
“دائمًا مستعدة لإثبات ذاتي”
تهاني الدحدوح، باحثة فلسطينية في مرحلة ما بعد الدكتوراه في معهد تامبيري للدراسات المتقدمة، جاءت إلى فنلندا لإكمال دراسة الدكتوراه في العلوم التربوية، واستطاعت أن تبني سجلًا أكاديميًا قويًا. حاليًا تعمل على مشروع بحثي يتناول التعليم العالي في مناطق النزاع. ورغم مؤهلاتها المتميزة، لم يكن مسارها المهني سهلًا.
تقول: “المجال الأكاديمي تنافسي للجميع، لكن بالنسبة للمرأة العربية، فهناك تحديات إضافية تتعلق باللغة والعلاقات الاجتماعية وفهم الثقافة.”
تشعر تهاني بأن خلفيتها الفلسطينية تضيف طبقة من التحديات الشخصية، خصوصًا في ظل الوضع المأساوي في غزة.
“ما يشعرني أحيانًا بالعزلة هو أنني أعيش هنا، بينما روحي معلقة بفلسطين والإبادة الجماعية التي تحدث في غزة”، تُشاركنا الدحدوح.
ورغم أن ذلك لا يظهر بشكل مباشر في بيئة العمل، إلا أن الصراع الداخلي يؤثر على شعورها بالاندماج.
تستخدم الدحدوح اللغة الإنجليزية في عملها، لكن الكثير من فرص التدريس أو المنح تتطلب الطلاقة في اللغة الفنلندية، مما يحد من فرصها. كما أن الوظائف الأكاديمية غالبًا ما تكون قصيرة الأجل.
“أشعر وكأنني في حالة تأهب طوال الوقت، عليك أن تبحث عن الفرصة التالية دائمًا.”
وتلفت الدحدوح النظر إلى مشكلة بنيوية في النظام، ترى أنها بحاجة إلى معالجة.
وتقول: “أعتقد أن سياسات فنلندا تدعم توظيف النساء المهاجرات، ولكن في الغالب في المجالات التي لا يقبل عليها الفنلنديون”.
وتُضيف: “العديد من صديقاتي من حملة الشهادات العليا، مثل المهندسات ومساعدات أطباء الأسنان، ينتهي بهن المطاف بالعمل كممرضات عمليات (lähihoitaja)، لأن دورات الاندماج غالبًا ما تُركز على هذه الوظائف تحديدًا”

واجهت الدحدوح نفسها الرفض. في إحدى المرات، تم وضعها على قائمة الانتظار ولم تتوقع الحصول على الوظيفة. ثم تلقت بريداً إلكترونياً – حيث تم فتح وظيفة شاغرة.
وتقول: “في تلك اللحظة، عاد إليّ الأمل من جديد.”
تنسب الدحدوح الفضل لزوجها ومشرفيها والبيئة الأكاديمية الداعمة في مساعدتها على الاستمرار.
“تشجع الجامعة على الاندماج. لقد آمن المشرفون بي. وقد أحدث ذلك فرقاً كبيراً.”
ووفقًا للدحدوح، حتى مع وجود مهارات قوية، تحتاج النساء المهاجرات إلى المثابرة لتحقيق النجاح.
“لم يعرفوني في البداية، لكننا أصبحنا أصدقاء”
إيمان كمال، من العراق، تعيش في فنلندا منذ عام ٢٠١٣. تعمل في مجال المختبرات الطبية وتخرجت متفوقةً على دفعتها خلال دراستها المهنية في فنلندا. وبدعم من مُعلمتها، حصلت على وظيفة مؤقتة في المعهد الفنلندي للصحة والرعاية الاجتماعية (THL).
تقول: “العمل في هذا المجال يتطلب دقة وثقة وسرية، ولهذا استغرق الأمر بعض الوقت حتى يتعرف عليّ زملائي ويشعروا بالارتياح للعمل معي. بعد ستة أشهر، أصبحت علاقتنا قوية.”
وتصف تجربتها في المعهد بأنها إيجابية. “تم تقييمي بناءً على عملي وأخلاقي، وليس خلفيتي.”
خلال فترة وجودها هناك، شعرت بالتقدير والاهتمام. ومع ذلك، كانت تدرك أنه لمواصلة التقدم، كانت بحاجة إلى مواصلة تعليمها. لذلك التحقت بجامعة متروبوليا لتحديث مؤهلها في علم الأحياء، لكنها واجهت تحديًا في العودة إلى سوق العمل.
حاليًا، تستعد للبدء بتدريب عملي جديد في مستشفى “بيايَس” بمدينة فانتا كمتدربة في التحاليل الطبية، كجزء من إجراءات الاعتراف بمؤهلها، وتأمل أن تفتح هذه الفرصة لها أبوابًا أخرى.
وتنصح كمال ببدء مشوار الاندماج من خلال معادلة الشهادات بدلًا من إعادة الدراسة من الصفر. “إذا كانت شهادتك من بلدك، فحاولي اعتمادها أولًا.”
كما تؤمن كمال بأهمية التوازن بين التكيّف والتمسّك بالهوية. “كوني منفتحة، احترمي الثقافة، لكن حافظي على أصالتك.”
نصائح للنساء العربيات الباحثات عن عمل في فنلندا
تشارك ماهي، تهاني، وإيمان النصائح التالية:
– تعلمي اللغة الفنلندية من البداية، فهي مفتاح لكل شيء.
– حاولي الحصول على تدريب محلي أو فرصة تدريبية.
– استعيني بتوصيات من أساتذتكِ أو مشرفيكِ.
– اسعي لمعادلة شهادتك الجامعية قبل التفكير في دراسة جديدة.
– كوّني علاقات في بيئة العمل، حتى الأحاديث القصيرة قد تكون مفيدة.
– لا تخجلي من طلب الدعم أو تسهيلات بسيطة في العمل، مثل ساعات عمل مرنة أو مساعدة لغوية.