كسر الحواجز أمام الصحة النفسية – غالبًا ما يعاني المهاجرون العرب من الوصم الثقافي والتحديات النظامية 

تُظهر الأبحاث أن المهاجرين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المقيمون في فنلندا يعانون من انخفاض الحالة المزاجية والتوتر العصبي والضغط النفسي بوتيرة أعلى مقارنة بعامة السكان. الصورة: ADOBE STOCK
البحث عن الدعم النفسي في بلد جديد ليس بالأمر السهل. في هذا التقرير، يشارك ثلاثة أشخاص تجاربهم في التغلب على الصعوبات النفسية التي واجهتهم.

سمر أشرف أبونار

سمر أشرف أبونار

تم النشر ۱٦.۰۱.۲۰۲۵ ۳:۲۸

يتذكر رعد معن، وهو أردني يعيش في فنلندا منذ أربع سنوات، أيامه الأولى، قائلًا: 
“كان غياب التواصل في مكان العمل من أكبر التحديات التي واجهتها. لدى الفنلنديين جدار من الجليد، لكنهم ودودون للغاية بمجرد أن تتمكن من كسره” 
هذا الحاجز الاجتماعي، الذي يواجهه العديد من المهاجرين، يعمّق الشعور بالعزلة، خصوصًا في بيئات العمل. 

واجه يوسف أشرف، وهو طالب مصري وصل إلى فنلندا في أغسطس 2023، تحديات مختلفة. 
يقول أشرف: “عندما أتيت إلى فنلندا، لم يكن لدي أي معارف هنا. التعامل مع الإجراءات الورقية، التكيف مع نظام التعليم، والتأقلم مع الفروقات الثقافية كان مرهقًا للغاية.” 

تسلط كلتا التجربتين الضوء على تحدٍ أكبر: ألا وهو العبء النفسي المترتب على التكيف مع الحياة في بلد جديد في ظل غياب الدعم الاجتماعي الكافي. 

مواجهة وصمة العار حول الصحة النفسية 

لا تزال الصحة النفسية موضوعًا محظورًا في كثير من المجتمعات العربية، وغالبًا ما تلاحق هذه الوصمة المهاجرين إلى بلدانهم الجديدة. 

“أحيانًا نشعر كعرب أن طلب المساعدة دليل على الضعف،” يوضح أشرف. “هناك فخر في تحمل الصعوبات بمفردنا. إنها طريقة نثبت بها قوتنا لأنفسنا ولله.” 
 
وفي ظل غياب دعم الأسرة والأصدقاء المقربين، يصبح طلب المساعدة في فنلندا أكثر صعوبة. 
 
تؤكد الأبحاث هذه التحديات. تسلط أنو كاستانيدا، الباحثة في المعهد الفنلندي للصحة والرفاهية (THL)، الضوء على التحديات النظامية والثقافية
“غالباً ما يواجه الأشخاص القادمون من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا صعوبات نفسية، سواء بسبب تجارب سابقة مؤلمة قبل قدومهم إلى فنلندا أو بسبب التحديات التي يواجهونها هنا مثل العنصرية، غياب الشبكات الاجتماعية، وصعوبة الوصول إلى الخدمات.” 

يشير أشرف إلى أنه على الرغم من توافر خدمات الصحة النفسية في فنلندا، إلا إنها قد تبدو غير مناسبة بسبب التكلفة أو الفروقات الثقافية: 
“لم أشعر أن زيارة طبيب نفسي كانت خيارًا متاحًا. كنت بحاجة للمال لتسوية وضعي المعيشي، ولم أكن أرى فائدة حقيقية من الجلسات.” 
 
على الرغم من أن خدمات الصحة النفسية في فنلندا غالبًا ما تكون مجانية أو مدعومة، إلا أن العديد من المهاجرين لا يزالون غير مدركين لهذه المزايا. تؤكد هذه الفجوة على الحاجة إلى توعية أفضل، مثل الحملات متعددة اللغات وورش العمل المجتمعية، لضمان معرفة المهاجرين بهذه الموارد وتشجيعهم على الوصول إليها، مما يعزز الرفاهية والاندماج. 

حواجز اللغة والفجوات النظامية 

تطرقت شهد أسد، وهي مهاجرة سورية تعيش في فنلندا منذ خمس سنوات، إلى مشكلة يواجهها العديد من المهاجرين، وهي حاجز اللغة في طلب الدعم في مجال الصحة النفسية.  

وفي حين توفر فنلندا خيار الاستعانة بمترجمين فوريين أثناء جلسات العلاج، إلا أن هذا الحل لا يبعث على الشعور بالراحة دائماً.  

وتوضح قائلة: “لا تشعر بالأمان في مشاركة كل شيء عن نفسك عندما يقوم شخص ما بترجمة كلماتك إلى شخص غريب آخر يتحدث لغة مختلفة”. هذا الانزعاج يمكن أن يجعل العملية الضعيفة بالفعل أكثر صعوبة. 

يشير المعهد الفنلندي للصحة والرفاهية (THL) إلى أن عوامل مثل التمييز والشعور بالوحدة وعدم الاستقرار المالي تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية للمهاجرين. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تعيق الحواجز اللغوية وعدم الإلمام بنظام الرعاية الصحية الفنلندي المهاجرين العرب من الوصول إلى خدمات الصحة النفسية المناسبة.  

وتسلط منظمة THL الضوء على أن خدمات الصحة النفسية تُنظم بشكل مختلف بين البلدان، وقد يجد المهاجرون صعوبة في التعامل مع نظام غير مألوف. 

تؤكد كاستانيدا: “هناك نقص في الخدمات المصممة لمراعاة الأقليات“. ”يحتاج مقدمو الرعاية الصحية إلى مزيد من التدريب للتعامل مع التنوع الثقافي والعنصرية والنُهج التي تأخذ الصدمات النفسية بعين الاعتبار.” 

إيجاد القوة في المجتمع والطبيعة 

على الرغم من هذه التحديات، يجد العديد من المهاجرين طرقًا للتكيف وتعزيز قدرتهم على الصمود.  

بالنسبة لمعن، كان الحل هو قضاء الوقت في الهواء الطلق. يقول: “لقد ساعدني التمرين والرياضة والأنشطة الخارجية كثيرًا. الطبيعة هنا جميلة، ودائمًا ما تحسن من حالتك النفسية”. 

وجدت أسد الدعم في عائلتها والفعاليات الثقافية. تقول: “لقد ساعدني وجود أحد أفراد الأسرة معي كثيرًا خلال فصول الشتاء الطويلة المظلمة”. كما أعطتها التجمعات المجتمعية فرصة للتواصل مع الآخرين والاحتفال بالتقاليد الثقافية. 

وجد أشرف شعوره بالانتماء في الجامعة. 

يقول: ”ساعدني التواجد حول الطلاب الآخرين الذين كانوا منفتحين على تكوين صداقات على خلق شعور بالانتماء للمجتمع“. كما سمح له حضور الفعاليات وتكوين الصداقات والانخراط مع الآخرين بالتغلب ببطء على مشاعر العزلة.  

دعوة للتغيير 

يشجع معن وأشرف المهاجرين الآخرين على طلب الدعم والبقاء نشطين اجتماعيًا. 
“لا تخجل من التعبير عن نفسك،” يحث معن. 
 
ويؤكد أشرف على أهمية اتخاذ خطوات صغيرة للتواصل مع الآخرين. ”الخروج من منطقة الراحة الخاصة بك والتحدث إلى الناس يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً.“ 

تعتقد الباحثة أنو كاستانيدا أن هناك حاجة إلى تغيير منهجي أيضًا: 
“يجب على المؤسسات تنويع قواها العاملة لضمان تمثيل ودعم مجتمعات المهاجرين بشكل أفضل.”